براءة زوجات الانبياء من الفحش والفجور عند الشيعة

براءة زوجات الانبياء من الفحش والفجور عند الشيعة

هل ازواج بعض الانبياء ارتكبن عملا قبیحا مثل الفحشاء؟

مقدمة:

من جملة الآيات التی نزلت فی مذمة بعض ازواج الانبیاء الآیة العاشرة من سورة التحريم. ذکر فی هذه السورة هکذا :

«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يغْنِيا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ»(سورة التحريم،الآية 10).

استعمل فی هذه الآیة المذکورة بالنسبة لأزواج نوح و لوط (عليهما السلام) تعبير«فخانتاهما». هذا التعبير لو لم یصحَح یمکن ان یکون طعنا و نقصا کبیرا بالنسبة لساحة عصمة الرسالة و النبوة، التی قدَمها یصل الی خلقة الانسان.

یتشدد هذا الطعن و النقص حینما نضع بعض الآيات مثل 45 و 46 من سورة هود فی جنب الآيات الماضیة و یحکم ب الفحشاء لزوجة نوح عليه السلام :

«وَ نادي‏ نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْني‏ مِنْ أَهْلي‏ وَ إِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْکَمُ الْحاکِمينَ. قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجاهِلينَ».

(سورة هود، الآية 45 و 46).

فی طرح هذا الموضوع، نواجه تحَدیَین الذی من اللازم الجواب المنطقی لها :

1.ما هو المراد من الخيانة هل المقصود الخيانة من نوع الفحشاء أو المقصود الخيانة الاعتقادية و الثقافیة؟

2. هذه الخيانة تنحصر فی ازواج هذین النبیَین أو تشمل بعض ازواج النبی صلي الله عليه و آله ایضا؟

یوجد الخلاف فی هذین المحورین ، بين الشيعة و اهل السنة و ایضا الوهابية و لهذه الذرائع ، مع الأسف بعض علی طول التاریخ ، اتهموا الشیعة انهم حقّروا ازواج النبی صلي الله عليه و آله، و ب التبع حکموا بكفرهم . غافلا ان الشيعة فقط تنقی ساحة ازواج النبی من الفحشاء و تنقی شأن الانبیاء عليهم السلام من هذه التُهم . هذا المقال بصدد دراسة هذا الموضوع.

رأی الشيعة

من وجهة نظر الشيعة،‌ ساحة تمام الأنبیاء نقیة عن تهمة الفحشاء ، لأن الاعتقاد بهکذا موضوع ، یوجب الطعن فی الانبياء عليهم السلام و یسبّب عدم قبول دعواهم، و عقايدهم  الحال ان الله نزّه جمیع الانبياء من کل نقص و عيب .

طوال التاريخ، قاطبة علماء الشيعة المشهورین، کانوا یعتقدون ان ازواج الأنبیاء و لو انهن لم یکنّ من المعصومات و مصونة عن الخطأ لکن لم یرتکبن الفحشاء قط . و لو من الممكن انهن تلوثن ب الکفر أو النفاق لکن لم یرتكبن الفحشاء حتما؛ بناء علی هذا خيانة زوجة نوح و لوط التی اشیر الیها فی القرآن الکريم لم تکن من نوع الفحشاء بل خيانتهما کانت من نوع مساعدة الاعداء ، الصاق التهم و کشف اسرار الأنبیاء . فی الذيل نذکر الروايات و اقوال علماء الشيعة:

الرواية :

شيخ الطوسي (المتوفی 460 ق) من کبار الشيعة، و المعروف ب شيخ الطائفة، ینقل رواية عن ابن عباس التی تُنزّه ساحة ازواج الأنبیاء عن الفحشاء :

روي عن ابن عباس أنه قال : ما زنت امرأة نبي قط ، وكانت الخيانة من امرأة نوح أنها كانت تنسبه إلى الجنون ، والخيانة من امرأة لوط أنها كانت تدل على أضيافه.

الشيخ الطوسي (المتوفی 460). التبيان في تفسير القرآن. ج 5 ص 495. ناشر : مكتب الإعلام الإسلامي. سنة الطبع: 1409.

ذکر ایضا فی هذا التفسير هکذا :

و روي عن علي عليه السلام أنه قرأ و نادى نوح ابنها فنسبه إلى المرأة ، وأنه كان يربيه . و روي عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام وعروة بن الزبير أنهما قرءا ” ونادى نوح ابنه ” بفتح الهاء وترك الألف كراهة ما يخالف المصحف ، وأرادا أن ينسباه إلى المرأة ، وأنه لم يكن ابنه لصلبه.

الشيخ الطوسي (المتوفی 460 ق). التبيان في تفسير القرآن ج5 ص 495. جلد : 5 . ناشر : مكتب الإعلام الإسلامي. سنة الطبع: رمضان المبارك 1409.

علی اساس الروايات المذکورة لم یرتکبن ازواج الانبیاء الفحشاء ،و الخيانة التي اشیر الیها فی القرآن و الروايات هی الخيانة فی امر الدين. علماء الشيعة من السابق الی الآن ، هم علی هذا الرأی انهم ینزهون شأن ازواج الانبیاء عن الفحشاء. فی الذيل نذکر نموذج منها :

اقوال علماء الشيعة فی هذا المجال

السيد المرتضي ( المتوفی  436 ق ):

السيد المرتضي الفقيه و المتکلم الامامي و من علماء الشيعة المشهورین، یقول فی رد الذین توهموا ان ابن نوح لم یکن ولده ، و ولد من طریق غیر شرعی :

الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب أن ينزَّهوا عن مثل هذه الحال، لأنها تَعُرُّ وتَشِين وتَغُضُّ من القدر، وقد جنَّب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيماً لهم وتوقيراً ونفياً لكل ما ينفِّر عن القبول منهم.

وقد حمل ابن عباس ظهور ما ذكرناه من الدلالة على أن تأول قوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما على أن الخيانة لم تكن منهما بالزنا بل كانت إحداهما تخبر الناس بأنه مجنون والأخرى تدل على الأضياف.

المرتضي علم الهدي، ابوالقاسم علي بن الحسين (المتوفی436هـ)، الأمالي، ج2، ص144 ـ 145، تحقيق: السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي، ناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي ـ قم، الطبعة الأولي، 1325هـ ـ 1907م.

 

الشيخ الطوسي (المتوفی 460 ق):

الشيخ الطوسي من کبار المحدثین و فقهاء الشيعة، یقول فی تفسير التبيان هکذا :

( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ) قال ابن عباس : كانت امرأة نوح وامرأة لوط منافقتين ( فخانتاهما ). قال ابن عباس : كانت امرأة نوح كافرة ، تقول للناس انه مجنون ، وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه ، فكان ذلك خيانتهما لهما ، وما زنت امرأة نبي قط ، لما في ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به فمن نسب أحدا من زوجات النبي إلى الزنا ، فقد أخطأ خطأ عظيما ، و ليس ذلك قولا لمحصل.

الشيخ الطوسي. (المتوفی 460 ق). التبيان في تفسير القرآن ج 10 ص 52. ناشر : مكتب الإعلام الإسلامي. سنة الطبع :  1409ق.

الشيخ الطبرسي (المتوفی 548 ق):

الشيخ الطبرسى المفسر، المتکلم و الفقيه الشيعي، فی تفسير مجمع البيان هذا التفسیر القیم ، یقول فی الرد علی قول حسن البصرى و المجاهد حول ان ابن نوح ولد من الزنا هکذا :

وهذا الوجه بعيد من حيث إن فيه منافاة القرآن، لأنه تعالى قال: ( ونادى نوح ابنه ) ولأن الأنبياء يجب أن ينزهوا عن مثل هذه الحال، لأنها تعير وتشين، وقد نزه الله أنبياءه عما دون ذلک، توقيرا لهم، وتعظيما عما ينفر من القبول منهم. وروي عن ابن عباس أنه قال: ما زنت امرأة نبي قط، وکانت الخيانة من امرأة نوح أنها کانت تنسبه إلى الجنون، والخيانة من امرأة لوط أنها کانت تدل على أضيافه.

الطبرسي، أبي علي الفضل بن الحسن (المتوفی548هـ)، تفسير مجمع البيان، ج5، ص285، تحقيق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، ناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ ـ 1995م

 

محمد صالح المازندراني (المتوفی 1081 ق):

محمد صالح المازندراني، المعروف ب ملا صالح المازندراني من علماء القرن الحادی عشر و صهر المجلسي الاول، فی شرحه علی الکافي یقول :

فامرأة نوح قالت لقومه: إنه مجنون، وامرأة لوط دلت قومه على ضيفانه، وليس المراد بالخيانة البغي والزنا، إذ ما زنت امرأة نبي قط.

المازندرانى، محمد صالح بن احمد (المتوفی1081 ق‏)، شرح الكافي الأصول و الروضة، ج 10، ص 107، المطبعة : الاولی، سنة الطبع : 1421 – 2000 م، ناشر : دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان.

سيد عبدالحسين شرف الدين (المتوفی 1377ق):

المرحوم سيد شرف الدين الفقيه المجاهد، بعد نقل قول سيد المرتضى فی وجوب نزاهة امرأة نوح و لوط عليهما السلام یقول :

إلى آخر کلامه الدال على وجوب نزاهة امرأة نوح وامرأة لوط من الخنا، وعلى ذلک إجماع مفسري الشيعة ومتکلميهم وسائر علمائهم.

شرف الدين الموسوي، السيد عبد الحسين (المتوفی1377هـ)، الفصول المهمة في تأليف الأمة، ص 156، ناشر: قسم الإعلام الخارجي المؤسسة البعثة ـ قم، الطبعة: الأولى.

کما ذکرنا ان کل علماء الشيعة (الذی ذکرنا عدد قلیل منهم هنا) یبرئون ازواج الأنبیاء عن الفحشاء ،و التبليغ السوء من قبل اعداء التشيع علی انهم یعتقدون بفجور بعض ازواج النبی (ص) هو کذب کبیر ازلی . حتی ان العلامة الآلوسى من مفسری اهل السنة الشهیر ضمن تأييد هذا الرأی ، یتعرض لقول الذین یقولون ان الشيعة یعتقدون بأن بعض ازواج النبی صلي الله عليه و آله فاجرات ، و یرده و یعتبره شائعة :

ونسب للشيعة قذف عائشة رضي الله تعالي عنها بما براها الله تعالي منه وهم ينکرون ذلک أشد الإنکار وليس في کتبهم المعول عليها عندهم عين منه ولا أثر أصلاً. وکذلک ينکرون ما نسب إليهم من القول بوقوع ذلک منها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وليس له أيضا في کتبهم عين ولا أثر.

العلامة أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي المتوفی: 1270هـ ، روح المعاني  ج 18   ص 122. دار النشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت

فی موضع آخر یقول الآلوسي هکذا :

و ما ينسب للشيعة مما يخالف ذلك في حق سيد الأنبياء صلى الله تعالى عليه وسلم كذب عليهم فلا تعول عليه وكان شائعا.

العلامة أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي المتوفی: 1270هـ ، روح المعاني  ج 28   ص 162. دار النشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت.

و لو ان آثار و مصادر الشيعة، تغنینا عن اعتراف اشخاص مثل الآلوسي لکن یکفینا هذا الاعتراف فی المواجهة مع الذین یتهمون الشيعة فی هذا المجال.

آراء اهل السنة و الوهابية

کما مرّ سالفا حسب رأی الشيعة، لم ترتکب احد من ازواج الأنبیاء الفحشاء أو یخرجن من جادة العفة و یرتکبن عمل القبیح مثل الزنا. نوع خيانتهم ترتبط ب الامور الدينية و الاعتقادية. لکن فی مصادر اهل السنة و الوهابية لم یوجد هکذا اجماع بل نواجه فی مصادر اهل السنة و الوهابية، ثلاثة آراء :

1ـ لم ترتکب احد من ازواج الانبياء الفحشاء .

2ـ یمكن ارتکاب عمل شنيع مثل الزنا فی ازواج الأنبياء .

3ـ بعض من ازواج الانبياء ارتكبن الفحشاء .

الرأی الأول:

لم ترتکب احد من ازواج الانبياء الفحشاء

بعض من کبار اهل السنة یعتقدون ک الشيعة ، انه لم ترتکب احد من ازواج الانبياء الفحشاء و ازواج الانبياء هی منزهة عن هذا العمل الشنيع . هذا الرأی الذی له منشأ روايي الذی یوجد ما بین بعض من اهل السنة و الوهابية مشترک فی ذيل بدایة الروايات ،و بعده نذکر اقوال اتباع هذه النظرية :

الرواية:

ابن عساکر فی تاريخ دمشق ینقل رواية فی نفي عمل الزنا، من جانب ازواج انبیاء الله :

أنبأنا إسحاق عن سفيان الثوري عن أشرس الخراساني يرفعه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ما بغت امرأة نبي قط.

أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (المتوفى: 571هـ). تاريخ دمشق ج 50 ص 318. المحقق: عمرو بن غرامة العمروي. الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. عام النشر: 1415 هـ – 1995 م.

تفسير الصنعاني، نقل رواية عن ابن عباس ان المراد من فخانتاهما فی سورة التحريم لیس عمل الزنا :

عن الثوري وابن عيينة عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان ابن قتة قال سمعت ابن عباس يسأل وهو إلى جنب الكعبة عن قول الله تعالى ) فخانتاهما ( فقال أما أنه ليس بالزنا ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون وكانت هذه تدل على الأضياف قال ثم قرأ ) إنه عمل غير صالح.

عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفی: 211 ، تفسير الصنعاني  ج 2 ص 310، دار النشر : مكتبة الرشد – الرياض – 1410 ، الطبعة : الأولى ، تحقيق : د. مصطفى مسلم محمد

الحاکم النيسابوري من کبار علم الحديث عند اهل السنة، ضمن نقل الرواية المذکورة ، یصرح بصحة سندها :

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي حدثنا إسحاق بن الحسن حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتة عن بن عباس رضي الله عنهما فخانتاهما قال ما زنتا أما امرأة نوح فكانت تقول للناس إنه مجنون وأما امرأة لوط فكانت تدل على الضيف فذلك خيانتهما هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري المتوفی: 405 هـ ، المستدرك على الصحيحين  ج 2 ص 538، دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت – 1411هـ – 1990م ، الطبعة : الأولى ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا

الحاکم النيسابوري بعد نقل هذه الرواية یقول :

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

ذکر فی تفسير الطبري الذی هو من التفاسير القدیمة ل اهل السنة ،هکذا :

حدثنا بن حميد قال ثنا مهران عن سفيان عن أبي عامر الهمداني عن الضحاك كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين قال ما بغت امرأة نبي قط فخانتاهما قال في الدين خانتاهما

محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبو جعفر المتوفی: 310 ، تفسير الطبري ج 28 ص 170. دار النشر : دار الفكر – بيروت.

هذا الرأی الذی هو یوافق شأن و مکانة انبیاء الله عليهم السلام و تعتقد به تمام علماء الشيعة ایضا ما بین اهل السنة و الوهابية له اتباع فنذکره فی الذيل :

اقوال بعض من کبار اهل السنة فی هذا المجال

القرطبي:

القرطبي هو الامام و صاحب الفن و المتبحر فی العلم، یقول فی تفسيره بعد نقل الرواية القاضیة ب تنزه ازواج انبیاء الله من عمل الزنا، یدعي الاجماع علی ان المراد، هی الخيانة فی امر الدين :

وقال سليمان بن رقية عن بن عباس : كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون وكانت امرأة لوط تخبر بأضيافه وعنه : ما بغت امرأة نبي قط وهذا إجماع من المفسرين فيما ذكر القشيري إنما كانت خيانتهما في الدين وكانتا مشركتين

أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المتوفی: 671 ، تفسير القرطبي ج 18 ، ص 202، دار النشر : دار الشعب – القاهرة

السيوطي من کبار العلماء فی العلوم القرآنية، ینقل بواسطة عن قول الضحاک فی بيان المقصود عن “فخانتاهما” هکذا :

و أخرج ابن عدي و البيهقي في شعب الإيمان و ابن عساكر عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : ) فخانتاهما ( قال : كانتا كافرتين مخالفتين ولا ينبغي لامرأة تحت نبي أن تفجر

عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي المتوفی: 911 ، الدر المنثور  ج 8  ص 228. دار النشر : دار الفكر – بيروت – 1993

ابن کثير:

ابن کثير الدمشقى المؤرخ‌، المفسّر و المحدّث‌ الشهور یقول هنا هکذا :

وليس المراد بقوله «فخانتاهما» في فاحشة بل في الدين فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء کما قدمنا في سورة النور قال سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتة سمعت ابن عباس يقول في هذه الآية ) فخانتاهما ( قال ما زنتا أما خيانة امرأة نوح فکانت تخبر أنه مجنون وأما خيانة امرأة لوط فکانت تدل قومها على أضيافه.

ابن کثير الدمشقي، إسماعيل بن عمر ابوالفداء القرشي (المتوفی774هـ)، تفسير القرآن العظيم، ج4، ص394، ناشر: دار الفکر ـ بيروت – 1401هـ.

 

ابن کثير یدعی فی هذا النقل ان ازواج الأنبیاء معصومات من عمل الزنا .

فخر الرازى:

فخر الرازي الفقيه، الفيلسوف و العالم فی العلوم المعقولة و المنقولة فی الجواب عن الذین یقولون ان ابن نوح ولد من الزنا ، یقول :

القول الثالث: أنه ولد على فراشه لغير رشدة، والقائلون بهذا القول احتجوا بقوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط «فخانتاهما» وهذا قول خبيث يجب صون منصب الأنبياء عن هذه الفضيحة لا سيما وهو على خلاف نص القرآن. أما قوله تعالى «فَخَانَتَاهُمَا» فليس فيه أن تلک الخيانة إنما حصلت بالسبب الذي ذکروه. قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما کانت تلک الخيانة، فقال: کانت امرأة نوح تقول: زوجي مجنون، وامرأة لوط تدل الناس على ضيفه إذا نزلوا به.

الرازي الشافعي، فخر الدين محمد بن عمر التميمي (المتوفی604هـ)، التفسير الکبير أو مفاتيح الغيب، ج17، ص113، ناشر: دار الکتب العلمية ـ بيروت، الطبعة: الأولى، 1421هـ ـ 2000م.

الاعتقاد بأن ازواج الانبیاء ارتکبن الفحشاء قبيح و من الردئ الذی یقول الآلوسي فی مذمّة المعتقدين بهذا الکلام ،هکذا :

ونقل ابن عطية عن بعض تفسيرها بالکفر والزنا وغيره و لعمري لا يكاد يقول بذلك إلا ابن زنا

شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ). روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ج 14 ص 357. المحقق: علي عبد الباري عطية. الناشر: دار الكتب العلمية. بيروت. الطبعة: الأولى، 1415 هـ

ابن تيمية:

ابن تيمية الحرّاني الحنبلي الذی هو الیوم یسمی بعنوان ايدیولوج الوهابية ، یعتقد انه لم تبغی أحد من ازواج الأنبیاء، هو يقول فی هذا المجال هکذا :

و أما البغايا فليس في الأنبياء، ولا الصالحين من تزوج بغيا لأن البغاء يفسد فراشه، ولهذا أبيح للمسلم أن يتزوج الكتابية اليهودية والنصرانية، إذا كان محصنا غير مسافح، ولا متخذ خدن فعلم أن تزوج الكافرة قد يجوز، و تزوج البغي لا يجوز لأن ضرر دينها لا يتعدي إليه، أما ضرر بغاها فيتعدي إليه، و الله أعلم.

ابن تيمية الحراني الحنبلي، ابوالعباس أحمد عبد الحليم (المتوفی 728 هـ)، الفتاوي الكبري لشيخ الإسلام ابن تيمية، ج4، ص158، تحقيق: قدم له حسنين محمد مخلوف، ناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

فی هذا البين یمكن أن یطرح سؤال بهذا المضمون انه لو کان ابن نوح ولدا له و من صلبه لماذا القرآن یقول «يا نُوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِنْ أَهْلِكَ»؟ هل هذه المسألة توجب التناقض فی القرآن ؟

فی الجواب نذکر ثمة نکت فی البین:

اولا :

فی ان ابن نوح علی نبينا وآله و عليه السلام من صلبه و ولده ،لم یکن شک لأن هذا المطلب ذکر فی القرآن. القرآن یقول: و نَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَي ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ. (سورة هود. الآية 42)

فی هذه الآیة ،القرآن یصرح بأنه ولده و من صلبه ،بناء علی هذا لو ینفی فی آية اخری هذا القول یلزم التناقض فی الآيات .

ثانيا:

الآیة المذکورة تنفی المناقشة فی الأهلیة و لیست البنوة ل ابن نوح. الله تعالی اوعد نوح عليه السلام بالنجاة له و لأهله. لکن حسبما هذا الولد خرج من دين ابیه فأخرجه الله من اهل نوح . و من جانب لو عرّف شخص الاهلیة بمعني البنوة من اللازم ان تمام القوم الذی نجوا ، یکونوا اولاد نوح .

الشيخ الصدوق یذکر فی رواية بسند صحيح عن الحسن الوشاء هکذا :

حَدَّثَنَا أَبِي رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِي الْوَشَّاءِ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ‏ سَمِعْتُهُ يقُولُ قَالَ أَبِي ع قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ لِنَوْحٍ‏ إِنَّهُ لَيسَ مِنْ أَهْلِكَ‏ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَالِفاً لَهُ وَ جَعَلَ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ وَ سَأَلَنِي كَيفَ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيةَ فِي ابْنِ نُوحٍ فَقُلْتُ تَقْرَؤُهَا النَّاسُ عَلَى وَجْهَينِ‏ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صالِحٍ‏ وَ إِنَّهُ عَمِلَ غَيرَ صَالِحٍ فَقَالَ كَذَبُوا هُوَ ابْنُهُ وَ لَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ نَفَاهُ عَنْهُ حِينَ خَالَفَهُ‏ فِي‏ دِينِه‏

ابن بابويه، محمد بن على‏ (المتوفی 381 ق‏). علل الشرائع‏ ج 1 ص 30. ناشر: معرض داورى‏. مكان المطبعة: قم‏

بناء علی هذا ابن نوح من نسله لکن لأجل مخالفته مع دين ابیه ، أخرجه الله من اهل نوح .

آراء بعض من علماء الوهابية

ذکر فی کتاب فتاوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :

قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا} سورة التحريم الآية 10. قال: (ما زنتا) . و قال: (ما بغت امرأة نبي قط إنما كانت خيانتهما في الدين) و هكذا قال عكرمة و سعيد بن جبير و الضحاك و غيرهم. و بين الله سبحانه بالمثل الذي ضربه للذين آمنوا بآسية زوجة فرعون وكان أعتى الجبابرة في زمانه – أن مخالطة المؤمنين للكافرين لا تضرهم إذا دعت الضرورة إلى ذلك ما داموا معتصمين بحبل الله تعالى متمسكين بدينه كما لم ينفع صلاح الرسولين: نوح ولوط زوجتيهما الكافرتين، قال الله تعالى: {لَا يتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} سورة آل عمران الآية 28. و لذلك لم يضر زوجة فرعون كفر زوجها وجبروته، فإن الله حكم عدل لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره بل حماها وأحاطها بعنايته وحسن رعايته واستجاب دعاءها وبنى لها بيتا في الجنة ونجاها من فرعون وكيده وسائر القوم الظالمين مما تقدم في تفسير الآيات من أن ابن نوح ليس ابن زنى وأن عائشة رضي الله عنها برأها الله في القرآن مما رماها به رأس النفاق و من انخدع بقوله من المؤمنين والمؤمنات، وأن كلا من امرأة نوح وامرأة لوط لم تزن وإنما كانتا كافرتين، ودلت كل منهما الكفار على ما يسوؤهما ويصد الناس عن اتباعهما.

عضو … نائب رئيس اللجنة … الرئيس عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى ج 3 ص 275. جمع و ترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش. عدد الأجزاء: 26 جزءا. الناشر: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء – الإدارة العامة للطبع – الرياض

 

هذا الرأی، یرتبط ب أغلبیة اهل السنة و الوهابية الذی یوافق اجماع الشيعة و یثبت تنزه ازواج الأنبیاء عن الفحشاء. لکن بعض من اهل السنة و الوهابية لم یستبعدوا امکان ارتکاب ازواج الانبياء الزنا و یقولون انه یمکن ارتکاب هذا العمل من جانب ازواج الانبياء .

الرأی الثانی:

امكان ارتکاب عمل الزنا، من ازواج الانبياء

عدة تعتقد انه و لو ان الزنا لم یصدر من ازواج الانبياء ، لکن هذه المسالة لم تکن من المحالات و امر من الممكنات. الألباني الوهابي من جملة الذین لم یستبعد امکان عمل الزنا من ازواج الأنبیاء و یقول :

و إن كان وقوع ذلك ممكنا من الناحيةالنظرية لعدم وجود نص باستحالة ذلك منهن

أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420هـ). سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها. ج 6 ص 27. الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض. الطبعة: الأولى،عدد الأجزاء: 6.

الألباني فی الادامة یقول:

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع ببراءة عائشةرضي الله عنها إلا بعد نزول الوحي.

ففيه إشعار قوي بأن الأمر في حد نفسه ممكن الوقوع.

أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420هـ). سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها. ج 6 ص 27. الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض. الطبعة: الأولى،عدد الأجزاء: 6

الحسن السقاف، العالم الشهیر عند اهل السنة، ایضا یشیر الی اعتقاد الالباني :

الالباني يقول بان امهات المومنين و زوجات الانبياء غير محفوظات من الزنا و الفاحشة …

السيد حسن بن علي السقاف. البشارة والإتحاف بما بين ابن تيمية والألباني في العقيدة من الاختلاف، ج 1 ص 34. الناشر : مكتبة الإمام النووي – عمَّان

الاعتقاد بمثل هذا الکلام ، لم ینحصر فقط ب «محمد ناصرالدين الباني» بل احد تلامذته بإسم «محمد ناصر الترمانيني» ایضا ک استاذه الالباني یعتقد ب امکان الزنا بین ازواج الأنبیاء بشکل ان «محمد نسيب الرفاعي» (من تلامذة الالباني) فی الرد عن هذه الادعاء عزم علی کتابة کتاب بإسم «نوال المني في اثبات عصمة امهات و زوجات الانبياء من الزني». الذی فی هذا الکتاب رد اقوال «الترمانيني» .

هو یقول بصراحة فی هذا الکتاب :

فقلت : هل يمکن في نظرک أن يکون الرسول زوج قحبة … ؟ قال نعم ممکن !!! وما المانع …؟

الشيخ محمد نسيب الرفاعي (المتوفی 1413 ق) . نوال المني في اثبات عصمة امهات و زوجات الانبياء من الزني ص 69. دارالميزان. الطبعة الاولي 1425 ق

هو يقول فی الادامة هکذا :

أما سمعت محمد ناصر الترمانيني قال : ممکن أن يکون الرسول زوج قحبة فاجاب کل منهم علي حده : نعم سمعته يقول انه ممکن ان يکون الرسول زوج قحبة.

الشيخ محمد نسيب الرفاعي (المتوفی 1413 ق) . نوال المني في اثبات عصمة امهات و زوجات الانبياء من الزني ص 69. دارالميزان. الطبعة الاولي 1425 ق

ف الترمانيني ایضا مثل الالباني لم یستبعد وقوع الزنا من ازواج الانبیاء. من الجدیر ان وجود بعض الروايات فی المصادر المهمة عند اهل السنة تنمیة لهذا الرأی. نفس الروايات التی الالباني تأول منها هذا المطلب.

الرواية المؤيدة ل الرأی الثانی :

کما ذکرنا فی سطور سبقت ،‌ محمد ناصرالدين الالباني الوهابي یعتقد ان النبی صلي الله عليه و آله لم یتیقن بالنسبة لتنزه عائشة من الزنا، و هذا المطلب سمة ممیزة علی امكان ارتكاب الفحشا عن ازواج الانبیاء. الذی یعاضد نظرية الالباني فی هذا المجال ، رواية عن صحيح البخاري الذی هو اهم الکتب و اوثقها عند اهل السنة فی علم الحدیث التی تحكي عن شك النبی صلي الله عليه وآله بالنسبة ل عائشة :

توقف النبی صلي الله عليه و آله فی خيانة عائشة:

أَمَّا بَعْدُ يا عَائِشَةُ فإنه قد بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيبَرِّئُكِ الله وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إليه فإن الْعَبْدَ إذا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إلى اللَّهِ تَابَ الله عليه قالت فلما قَضَى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حتى ما أُحِسُّ منه قَطْرَةً ….

محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي المتوفی: 256 ، صحيح البخاري  ج 4 ص 1777. دار النشر: دار ابن كثير , اليمامة – بيروت – 1407 – 1987 ، الطبعة : الثالثة ، تحقيق : د. مصطفى ديب البغا

هذه الرواية من اهل السنة تبین ان النبی صلي الله عليه و آله توقف فی امر خیانة عائشة. و علی اساس تفسیر الالباني توقُف النبی صلي الله عليه و آله یؤيد هذا القول انه یمکن ارتکاب مثل هذا العمل من ازواج الأنبیاء .

لکن رأی اهل السنة لن یتوقف علی هاتین النظریتین و بعض من اکابرهم یعتبرون وقوع الفحشاء من القطعيات. سنذکره فی الرأی الثالث.

الرأی الثالث:

بعض ازواج الانبياء ارتكبن الفحشاء :

مع افتراض ان علماء الشيعة کلهم و کثیر من علماء اهل السنة ینکرون ارتکاب الزنا، من ازواج النبی صلي الله عليه و آله لکن بعض من کبار اهل السنة، لم ینکروا وقوع الزنا منهن ، بل یعتقدون ان ازواج بعض الانبیاء ارتکبن الفحشاء. فی الادامة نتعرض لذكر اسماء هؤلاء و کلماتهم:

حسن البصري:

حسن البصري من فقهاء اهل السنة یعتبر ابن نوح ولید الزنا.

حَدَّثَنَا الْمُنْذِرُ بن شاذان، ثنا هوده، ثنا عَوْنٌ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ: عَمِلَ غَيرَ صَالِحٍ قَالَ: کَانَ وَلَدَ زِنْيةٍ وَکَانَ ينْسَبُ إِلَيهِ فَنَفَاهُ اللَّهُ مُنْذُ يوْمِ الْغَرَقِ.

الإمام الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي. تفسير ابن أبى حاتم  ج 6 ص 2040. دار النشر : المكتبة العصرية – صيدا. عدد الأجزاء: 10مجلدات . تحقيق : أسعد محمد الطيب.

ابن الجوزي من علماء اهل السنة، یصرح بهذا الموضوع ان الحسن البصري یعتقد بأن ابن نوح ولید الزنا.

والثاني: أنه ولد على فراشه لغير رِشدة ولم يکن ابنه. روى ابن الأنباري باسناده عن الحسن أنه قال: لم يکن ابنَه، إِن امرأته فجرت

عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفی 597). زاد المسير في علم التفسير ج 4 ص 113. الناشر المكتب الإسلامي. سنة النشر 1404. مكان النشر: بيروت. عدد الأجزاء 9.

من الجدیر انه یوجد فی تفسير الطبري رواية معتبرة ان الحسن البصري یقسم بالله علی ان ابن نوح، لم یکن ولده و ولد من الزنا. ثم مباشرة فی تأييد کلامه یقرأ هذه الآية (فخانتاهما):

حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يزِيدُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ ، يقْرَأُ هَذِهِ الآيةَ : {إِنَّهُ لَيسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صَالِحٍ} ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِکَ : وَاللَّهِ مَا کَانَ ابْنُهُ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيةَ : {فَخَانَتَاهُمَا} قَالَ سَعِيدٌ : فَذَکَرْتُ ذَلِکَ لِقَتَادَةَ ، قَالَ : مَا کَانَ ينْبَغِي لَهُ أَنْ يحْلِفَ.

محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري،[ 224 – 310 هـ ]. جامع البيان في تأويل القرآن ج 15 ص 341. المحقق : أحمد محمد شاكر. الناشر : مؤسسة الرسالة. الطبعة : الأولى ، 1420 هـ – 2000 م.

المجاهد:

المجاهد بن جبر، من مفسري اهل السنة الشهیر یعتقد ان ابن نوح ، لم یکن ولدا له [ولد من طریق غیر مشروع].

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : {فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ} قَالَ : تَبَينَ لِنُوحٍ أَنَّهُ لَيسَ بِابْنِهِ.

محمد بن جرير الطبري (المتوفی 310). جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج 12 ص 66. تحقيق : الشيخ خليل . ناشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان. سنة الطبع: 1415 – 1995 م.

ابن جُرَيج:

ابن جريج فقيه، محدث و حافظ و الشهیر من اهل السنة یعتقد ایضا بهذا المطلب کما ذکر فی تفسير الطبري :

قال بن جريج في قوله «و نادى نوح ابنه» قال ناداه و هو يحسبه أنه ابنه وكان ولد على فراشه.

محمد بن جرير الطبري أبو جعفر (المتوفی 310)، تفسير الطبري ج 12، ص 50، ناشر : دار الفكر – بيروت – 1405.

القرطبي ایضا یصرح ان الحسن البصري، المجاهد و ابن جريج لم یعتبروا ابن نوح ولدا له من طریق شرعی :

وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَى «عَمَلٌ غَيرُ صَالِحٍ» أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَمْ يکُنِ ابْنَهُ. وکان لغير رشدة وقال أَيضًا مُجَاهِدٌ. قَالَ قَتَادَةُ سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا کَانَ ابْنَهُ، قُلْتُ إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ نُوحٍ أَنَّهُ قَالَ:” إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي” فَقَالَ: لَمْ يقُلْ مِنِّي، وَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ کَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ حَکَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:” إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي”” وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ” وَلَا يخْتَلِفُ أَهْلُ الْکِتَابَينِ أَنَّهُ ابْنُهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَنْ يأْخُذُ دِينَهُ عَنْ أَهْلِ الْکِتَابِ! إِنَّهُمْ يکْذِبُونَ. وَقَرَأَ:” فَخانَتاهُما ” .وَقَالَ ابْنُ جُرَيجٍ: نَادَاهُ وَهُوَ يحْسَبُ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَکَانَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَکَانَتِ امْرَأَتُهُ خَانَتْهُ فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ:” فَخانَتاهُم.

أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ج9 ص 46، الناشر دار الشعب – القاهرة.

عبيد بن عمير و ابن سيرين:

ابن عطية یصرح بأن الحسن البصري،عبيد بن عمير و ابن سيرين یعتبرون ان ابن نوح ولد من الزنا :

وقالت فرقة: المراد أنه ليس بولد لک، و زعمت أنه کان لغية وأن امرأته الکافرة خانته فيه، هذا قول الحسن وابن سيرين وعبيد بن عمير.

أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (المتوفی 546هـ) ، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز  ج 3 ص 176. دار النشر : دار الكتب العلمية – لبنان – 1413هـ- 1993م ، الطبعة : الاولى ، تحقيق : عبد السلام عبد الشافي محمد.

ثابت بن الحجاج الکلابى:

ثابت بن الحجاج الکلابي، هو من التابعين یقول ان ابن نوح ولد فی غياب ابیه :

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، ثنا عَلِي بْنُ ثَابِتٍ الْجَزَرِي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْکِلابِي، فِي قَوْلِ اللَّهِ: “وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ” قَالَ: وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ.

الإمام الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبى حاتم ج 6 ص 2034. دار النشر : المكتبة العصرية – صيدا. عدد الأجزاء: 10. تحقيق : أسعد محمد الطيب.

الشعبي:

الشعبي من المحدثین و کبار اهل السنة، یعتقد ان امرأة نوح خانته. ابن الجوزي ینقل عن الشعبي هکذا :

و عن الشعبي قال لم يكن ابنه إن امرأته خانته.

عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي المتوفی: 597 ، زاد المسير  ج 4  ص 113. دار النشر : المكتب الإسلامي – بيروت – 1404 ، الطبعة : الثالثة.

الزمخشري:

ابن الجزي الکلبي یقول هکذا :

و قال الزمخشري لم يکن ابنه ولکنه خانته أمه وکان لغير رشده …

محمد بن أحمد بن محمد الغرناطي الكلبي المتوفی: 741هـ ، التسهيل لعلوم التنزيل  ج 2  ص 106. دار النشر : دار الكتاب العربي – لبنان – 1403هـ- 1983م ، الطبعة : الرابعة

محقق کتاب مفتاح الغيب ل الفخر الرازي:

فخر الرازي و لو انه لم ینفی ارتکاب الزنا من ازواج الانبیاء ،لکن محقق الکتاب یرد هذا القول منه و یقول :

لعل امرأتي نوح و لوط عليهما السلام كانتا كذلك و مما يدل عليه وصف اللَّه تعالى لهما بالخيانة ومن معاني الخيانة هذا المعنى فلا يجوز العدول عن المعنى الظاهر إلى غيره بدون حاجة. ولا سيما إذا ضم إلى هذا قول اللَّه لنوح حين قال:

رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود: 45] إِنَّهُ لَيسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود: 46] والأهل هم آل الشخص وقرابته الأدنون ولا يجوز صرف الأهل إلى غير ذلك بلا ضرورة واللَّه أعلم.

محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي(المتوفى: 606هـ)، التفسير الكبير ج 23 ص 337، تحقيق: مكتب تحقيق دار إحياء التراث العربي، ناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة، 1420 هـ.

کما مرّ سالفا بعض من العلماء و الکبار ل اهل السنة لم ینزّهون ساحة ازواج الانبیاء من ارتکاب الفحشاء و یعتبرون امرأة نوح و نبی لوط نستجير بالله من اهل البغی. عند التحقیق فی مصادر الحديث عند اهل السنة، نجد ان نسبة الفحشاء لم تنحصر فی ازواج النبیَین فقط بل توجد فی بعض من الروايات توجه الاتهام بالنسبة لعائشة زوجة النبی الأكرم صلي الله عليه وآله و تعرّفها بأنها من اهل البغی.ذکرنا فی ما سبق تواجد روایة فی صحيح البخاري التی تدل علی انه نعوذ بالله النبی الأكرم (ص)کان یشک بزوجته و احتمال انها ارتكبت عمل الفحشاء لکن علی اساس رواية صحيح البخاري، قضیة اتهام الفحشاء  بالنسبة لعائشة لم تکن فی حدّ الشك بل حسب قول عائشة بعض الأشخاص مثل ابیها و امها أيقنوا ب ارتكاب الفحشاء من جانبها .فی الادامة نذكر هذه الرواية :

ابیها و امها(عائشة) أيقنوا ب ارتكاب الفحشاء من جانبها

البخارى فی صحيحه نقلا عن عائشة یقول انها بعد انتشار شائعة ارتكاب الفحشاء من جانبها ،‌ خطابا لأمها و ابیها تقول هکذا :

إني والله لقد عَلِمْتُ أَنَّکُمْ سَمِعْتُمْ ما يتَحَدَّثُ بِهِ الناس وَوَقَرَ في أَنْفُسِکُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ قلت لَکُمْ إني بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يعْلَمُ إني لَبَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِکَ وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَکُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي والله ما أَجِدُ لي وَلَکُمْ مَثَلًا إلا أَبَا يوسُفَ إِذْ قال «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ على ما تَصِفُونَ».

البخاري الجعفي، ابوعبدالله محمد بن إسماعيل (المتوفی256هـ)، صحيح البخاري، ج2، ص945، ح2518 ، تحقيق د. مصطفي ديب البغا، ناشر: دار ابن کثير، اليمامة ـ بيروت، الطبعة: الثالثة، 1407 ـ 1987.

کما ذکرنا فی النقل السابق ،‌ابوبكر و ام رومان صدقوا کلام الناس فی عائشة [ارتكابه الزنا] و هما علی هذا الاعتقاد. النكتة التی لها اهمية هنا ان اعتقاد ابی بكر بالنسبة ل ارتكاب الفحشاء من جانب عائشة، لم تبقی فی حد التصديق القلبي بل فی رواية اخری ،‌ ابوبكر فی مقابل عائشة، یستعمل کلمة الخيانة :

الطبراني من علماء اهل السنة فی كتاب معجم الکبير بعد نقل قضایا فی عائشة، ینقل هکذا: أن عائشة قالت: جاء أبو بكر فدخل عليَّ، و قال :

يا رَسُولَ اللَّهِ ما تَنْتَظِرُ بِهَذِهِ التي خَانَتْكَ وَفَضَحَتْنِي … .

سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني المتوفی: 360. المعجم الكبير  ج 23 ص 117، دار النشر: مكتبة الزهراء – الموصل – 1404 – 1983 ، الطبعة : الثانية ، تحقيق : حمدي بن عبدالمجيد السلفي

علی اساس نقل المذکور فی فکرة ابی بکر عائشة من اهل الخيانة و هذا المطلب مسلم عنده فیعتبرها تفضحه.

لکن بناء علی رواية صحيح البخاري،‌لم یکونا ابوبكر و ام رومان هما الذین لم ینزها عائشة من الزنا فقط بل بقیة النساء ایضا لم ینزهن عائشة من الزنا:

بقیة نساء الرسول صلي الله عليه و آله لم ینزهن عائشة من التهمة :

البخارى ینقل رواية ان بقیة ازواج الرسول صلي الله عليه و آله ایضا یتهمنها :

فقلت ائْذَنْ لي إلى أَبَوَي قالت وأنا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيقِنَ الْخَبَرَ من قِبَلِهِمَا فَأَذِنَ لي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيتُ أَبَوَي فقلت لِأُمِّي ما يتَحَدَّثُ بِهِ الناس فقالت يا بُنَيةُ هَوِّنِي على نَفْسِکِ الشَّأْنَ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا کانت امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إلا أَکْثَرْنَ عليها.

البخاري الجعفي، ابوعبدالله محمد بن إسماعيل (المتوفی256هـ)، صحيح البخاري، ج2، ص944، ح2518،کتاب الشهادات، بَاب تَعْدِيلِ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا، تحقيق د. مصطفي ديب البغا، ناشر: دار ابن کثير، اليمامة ـ بيروت، الطبعة: الثالثة، 1407 ـ 1987.

ما مرّ فی الرأی الثالث یبین ان عدة من العلماء و کبار اهل السنة لم ینزهوا ازواج الانبياء الماضین من الزنا ؛ لکن کما لاحظتم حسب مصادر الحديث عند اهل السنة يعني كتاب صحيح البخاري، هذا الرأی بالنسبة الی إحدی زوجات النبی الأکرم صلي الله عليه وآله ایضا یجري و هي ایضا لم تصن من هذه التهم .

النتيجة:

کما مرّ سالفا العلماء و کبار الشيعة طوال التاريخ لهم اجماع علی عدم ارتكاب الفحشاء من جانب ازواج الانبياء عليهم السلام و ینزهون ساحتهن و یبرئهن من کل عمل ینافي العفة و الاعتقاد مثل هذا العمل یشوه وجهة الانبیاء العظام عليهم السلام بناء علی هذا فی تفسير «فخانتاهما» یعرفون خيانة زوجة نوح و لوط عليهما السلام خيانة فی الدين و یعتقدون انهما لم یرتکبن الفحشاء و لا زوجة من ازواج انبیاء الله. لأن اثبات هذا العمل ، یکون طعنا و نقصا کبیرا علی الانبياء .

لکن یوجد خلاف معجب بین اهل السنة و الوهابية فی رد او اثبات الفحشاء بین ازواج الانبياء و بعض منهم ینکر ارتكاب عمل الفحشاء من ازواج الانبياء ؛ اما البعض قائل بإمکان هذا العمل الشنيع و عدة آخر یعتقدون بارتكاب الفحشاء من ازواج انبياء الله و فی امتداد هذه الأقوال توجد روايات ایضا فی مصادر الحديث عند اهل السنة الذی اشرنا الیها فی ضمن هذا المقال.

و من الله التوفیق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.