حديث يوم الدار

حديث يوم الدار

حديث العشيرة والدار

أخرج أحمد باسناده عن عليّ عليه السّلام قال: «جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ أودعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق، قال فصنع لهم مدّاً من طعام فأكلوا حتّى شبعوا قال: وبقي الطعام كما هو كأنّه لم يمسّ ثم دعا بغمر فشربوا حتّى رووا، وبقي الشراب كأنّه لم يمس أو لم يشرب، فقال: يا بني عبد المطلب، اني بعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم فأيكم يبايعني على ان يكون اخي وصاحبي؟ قال: فلم يقم إليه احد، قال: فقمت إليه وكنت أصغر القوم قال: فقال: اجلس، قالها ثلاث مرات كل ذلك اقوم إليه فيقول لي: اجلس حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي»(1).

 

وروى ابن عساكر باسناده عن عليّ بن أبي طالب قال: «لمّا نزلت (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ) قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، واعد قعباً من لبن، وكان القعب قدر ريّ رجل قال: ففعلت، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يا علي، اجمع بني هاشم وهم يومئذ أربعون رجلا أو أربعون غير رجل، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فوضعه بينهم فأكلوا حتى شبعوا، وان الرجل منهم لمن يأكل الجذعة بإدامها، ثم تناولوا القدح فشربوا حتى رووا وبقي فيه عامته، فقال بعضهم: ما رأينا كاليوم في السحر!!! يقولون انه أبو لهب، ثم قال يا علي، اصنع رجل شاة بصاع من طعام وأعد بقعب من لبن، قال: ففعلت فجمعهم فاكلوا: مثل ما أكلوا بالمرة الأولى، وشربوا مثل المرة الأولى وفضل منه ما فضل المرة الأولى، فقال بعضهم: ما رأينا كاليوم في السحر!!!.

 

 

فقال الثالثة: اصنع رجل شاة بصاع من طعام واعد بقعب من لبن، ففعلت. فقال اجمع بني هاشم، فجمعتهم فأكلوا وشربوا فبدرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالكلام، فقال: أيكم يقضي ديني ويكون خليفتي ووصيي من بعدي؟ قال: فسكت العبّاس مخافة ان يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الكلام على القوم وسكت العبّاس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله الكلام الثالثة قال: واني يومئذ لأسوأهم هيئة، اني يومئذ احمش الساقين اعمش العينين ضخم البطن، فقلت: أنا يا رسول الله، قال: أنت يا علي، أنت يا علي»(2).

 

وروى بإسناده عن أبي رافع، قال: «كنت قاعداً بعد ما بايع الناس أبا بكر، فسمعت أبا بكر يقول للعبّاس: أنشدك الله هل تعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم وجمعهم دون قريش، فقال: يا بني عبد المطلب انه لم يبعث الله نبياً الا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصيّاً وخليفة في أهله، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في اهلي؟ فلم يقم منكم أحد!! فقال: يا بني عبد المطلب كونوا في الاسلام رؤساً ولا تكونوا أذناباً، والله ليقومنّ قائمكم أو لتكوننّ في غيركم ثمّ لتندمن! فقام عليّ من بينكم فبايعه على ما شرط له ودعاه اليه، اتعلم هذا له من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قال: نعم»(3).
ورواه الوصابي بإسناده عن أبي الحسن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب كما تقدَّم وفيه: «فقال: هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي»(4).

 

ورواه الزرندي بإسناده عن البراء…(5).
وروى أبو الفداء في تاريخه مثله(6).
أقول: كانت لدعوة رسول الله صلّى الله عليه وآله ثلاث مراحل:
الأولى: دعوته الأفراد سراً، وأوّل من أظهر ايمانه وآمن به في هذه المرحلة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، وكانت مدة هذه الدعوة ثلاث سنين(7).
الثانية: دعوته بني عبد المطلب وعشيرته الأقربين.
الثالثة: دعوته العامة جهراً كلّ الطوائف إلى يوم القيامة.
أما دعوته عشيرته، فكانت في دار عمه أبي طالب، وفيها قال في حق الإمام علي عليه السّلام كلمته الخالدة.

 

وقد ذكر المفسرون هذه الحادثة التاريخية الغراء عند تفسيرهم قوله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ)(8). فمنهم الحاكم الحسكاني ومحمّد بن جرير الطبري وجلال الدين السيوطي واسماعيل بن كثير وعلي بن محمّد بن إبراهيم الخازن البغدادي والآلوسي البغدادي والشيخ الطنطاوي(9).
وروى حديث العشيرة أئمة الحديث في مسانيدهم وصحاحهم، كالحاكم النيسابوري وغيره.
وأورد المؤرخون هذه الدعوة فيما ألّفوه من التاريخ والسير والفضائل، كالبيهقي والطبري وابن الأثير وابن خلدون وابن كثير(10) والحلبي(11) والمسعودي(12) ومحمّد بن يوسف الشامي(13) ومحمّد حسين هيكل(14) والقندوزي الحنفي(15).

دلالة الحديث

واستدل العلامة الحلّي بهذا الحديث لإثبات إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قائلا: «قال صلّى الله عليه وآله: وأنا ادعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم، وتدخلون بهما الجنّة وتنجون بهما من النار: شهادة أن لا اله إلاّ الله، وأنيّ رسول الله، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويوازرني على القيام به يكن أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي، فلم يجبه أحدٌ منهم، فقال أميرالمؤمنين عليه السّلام: أنا يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أوازرك على هذا الأمر فقال: اجلس، ثمّ أعاد القول على القوم ثانية فصمتوا، فقال علي عليه السّلام: وقمت فقلت مقالتي الأولى، فقال: اجلس، ثمّ اعاد على القوم مقالته ثالثةً، فلم ينطق احدٌ منهم بحرف،فقمت فقلت: أنا أوازرك يا رسول الله على هذا الأمر، فقال: إجلس فأنت أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي، فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب عليه السّلام: ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك، فقد جعل ابنك اميراً عليك»( منهاج الكرامة، المنهج الثالث الدّليل الأوّل.).

واستدل على ذلك بمضمون آخر في (كشف الحقّ ونهج الصدق).
وعلى الجملة، فإنّه لا مجال للمناقشة في سند هذه القضية، لأن أسانيدها ـ حتى في كتب أهل السنة ـ معتبرة، وأمّا دلالتها فواضحة، ففي متن الخبر امور لا يمكن إنكار دلالتها على الإمامة والولاية العامّة لأميرالمؤمنين بعد رسول الله مباشرة، فإنّه بعد أن أراهم من المعاجز ذكر أنّ الله قد أمره بدعوتهم، وأنه إن لم يفعل ذلك عذّبه، فدعاهم وعرض عليهم ما أمر به، فلم يجبه منهم أحد إلاّ علي، فقال فيه ما قال ممّا هو نصّ في الامامة ووجوب الطاعة المطلقة والاقتداء في جميع الشئون، ما يفهمه كلّ ذي لبٍّ من أهل العربيّة، ولذا جاء في الخبر قولهم لأبي طالب: أمرك أن تسمع لابنك وتطيع، ولا ريب أنّ كلّ ذلك كان بإرادة الله وأمر منه، فإذا كان هذا هو المدلول للكلام والسند معتبر، فلا يصغى لتشكيكات المشككين ومكابرات المعاندين كابن تيمية وابن روزبهان وأمثالهما، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب (احقاق الحق) وكتاب (دلائل الصدق) وغيرهما من كتب هذا الشأن.

 

 

(1) مسند أحمد بن حنبل، ج1 ص159.
(2) ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق، ج1، ص87، الحديث 139.
(3) المصدر ص89، الحديث 143.
(4) أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب، الباب الثّالث ص12، والمتّقي في منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد ج5 ص41، كما أورد الكنجي حديث العشيرة في كفاية الطالب ص205 ـ 206.
(5) نظم درر السمطين ص82، ورواه الكنجي في كفاية الطالب ص205.
(6) المختصر في أخبار البشر، ج1 ص116.
(7) التاريخ الاسلامي، وتاريخ اسماعيل أبي الفداء، ج1 ص116، والطبّقات لابن سعد كاتب الواقدي ج1 ص132، التاريخ الاسلامي والحضارة الإسلامية لأحمد شلبي ج1 ص144.
(8) سورة الشعراء: آية 214.
(9) روح المعاني ج19 ص122.
(10) السيرة النبوية ج1 ص457 والبداية والنّهاية ج3 ص39.
(11) انسان العيون، المعروف بالسيرة الحلبّية ج1 ص460.
(12) مروج الذّهب ج2 ص283، واثبات الوصّية ص115.
(13) سبل الهدى والرّشاد في سيرة خير العباد ج2 ص434.
(14) حياة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم الطبعة الأولى ص104.
(15) ينابيع المودّة ص 105، الباب الحادي والثلاثون.

 

المصدر: هدانا اقتبس من قادتنا كيف نعرفهم (الجزء الأوّل) ، آية الله الميلاني

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.