احكام الوضوء

أجزاء الوضوء
وهي: غَسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين، فهنا أمور:
الأول: يجب غسل الوجه ما بين قصاص الشعر إلى طرف الذقن طولاً، وما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام عرضاً، والخارج عن ذلك ليس من الوجه…

احكام الوضوء

سماحة المرجع الديني آية الله السيستاني
سماحة المرجع الديني آية الله السيستاني

المبحث الثالث: الوضوء
و فيه فصول:

الفصل الأول: أجزاء الوضوء
وهي: غَسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين، فهنا أمور:
الأول: يجب غسل الوجه ما بين قصاص الشعر إلى طرف الذقن طولاً، وما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام عرضاً، والخارج عن ذلك ليس من الوجه، وإن وجب إدخال شيء من الأطراف إذا لم يحصل العلم بإتيان الواجب إلا بذلك، والأحوط لزوماً الابتداء بأعلى الوجه إلى الأسفل فالأسفل، ويكفي في ذلك الصدق العرفي، فيكفي صب الماء من الأعلى ثم إجراؤه على كل من الجانبين على النهج المتعارف من كونه على نحو الخط المنحني، ولو ردّ الماء منكوساً ونوى الوضوء بإرجاعه إلى الأسفل صح وضوؤه.
مسألة 69: غير مستوي الخلقة من جهة التحديد الطولي في ناحية الذقن يعتبر ذقن نفسه، وفي ناحية منبت الشعر ــ بأن كان أغمّ قد نبت الشعر على جبهته، أو كان أصلع قد انحسر الشعر عن مقدم رأسه ــ يرجع إلى المتعارف، وأما غير مستوي الخلقة من جهة التحديد العرضي لكبر الوجه، أو صغره، أو لطول الأصابع أو قصرها فيجب عليه غسل ما دارت عليه الوسطى والإبهام المتناسبتان مع وجهه.
مسألة 70: الشعر النابت فيما دخل في حد الوجه يجب غَسل ظاهره، ولا يجب إيصال الماء إلى الشعر المستور، فضلاً عن البشرة المستورة، نعم ما لا يحتاج غسله إلى بحث وطلب يجب غسله، كما إذا كان شاربه طويلاً من الطرفين ساتراً لغير منبته، أو كان شعر قصاصه متدلياً على جبهته فإنه يجب غسل البشرة المستورة بهما، وكذا الحال في الشعر الرقيق النابت في البشرة فإنه يغسل مع البشرة، ومثله الشعرات الغليظة التي لا تستر البشرة على الأحوط وجوباً.
مسألة 71: لا يجب غَسل باطن العين والفم والأنف، ومطبق الشفتين والعينين.
مسألة 72: الشعر النابت في الخارج عند الحد إذا تدلى على ما دخل في الحد لا يجب غَسله، وكذا المقدار الخارج عن الحد، وإن كان نابتاً في داخل الحد كمسترسل اللحية.
مسألة 73: إذا بقي مما في الحد شيء لم يغسل ــ ولو بمقدار رأس إبرة ــ لا يصح الوضوء، فيجب أن يلاحظ آماقه وأطراف عينيه أن لا يكون عليها شيء من القيح أو الكحل المانع، وكذا يلاحظ حاجبه أن لا يكون عليه شيء من الوسخ، وأن لا يكون على حاجب المرأة وسمة أو خطاط له جرم مانع.
مسألة 74: إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته عن المسح يجب تحصيل اليقين أو الاطمئنان بزواله، وأما ما يشك في مانعيته عن الغَسل فيكفي إحراز وصول الماء إلى البشرة ولو من غير إزالته، ولو شك في أصل وجود المانع يجب الفحص عنه إلا مع الاطمئنان بعدمه، نعم الوسواسي ونحوه ممن ليس لشكه منشأ عقلائي لا يعتني به.
مسألة 75: الثقبة في الأنف ــ موضع الحلقة أو الخزامة ــ لا يجب غسل باطنها بل يكفي غَسل ظاهرها، سواء أكانت فيها الحلقة أم لا.
الثاني: يجب غَسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ويجب الابتداء بالمرفقين، ثم الأسفل منها فالأسفل ــ عرفاً ــ إلى أطراف الأصابع.
والمقطوع بعض يده يغسل ما بقي، ولو قطعت من فوق المرفق سقط وجوب غسلها.
ولو كان له ذراعان دون المرفق وجب غَسلهما، وكذا اللحم الزائد، والإصبع الزائدة، ولو كان له يد زائدة فوق المرفق بحيث لا يطلق عليها اليد إلا مسامحة لا يجب غسلها بل يكفي غسل اليد الأصلية، ولو اشتبهت الزائدة بالأصلية غسلهما جميعاً واحتاط بالمسح بهما.
مسألة 76: المرفق مجمع عظمي الذراع والعضد، ويجب غَسله مع اليد.
مسألة 77: يجب غَسل الشعر النابت في اليدين مع البشرة، حتى الغليظ منه على الأحوط وجوباً.
مسألة 78: إذا دخلت شوكة في اليد لا يجب إخراجها إلا إذا كان ما تحتها محسوباً من الظاهر، فيجب غَسله حينئذٍ ولو بإخراجها.
مسألة 79: الوسخ الذي يكون على الأعضاء إذا لم يعدّ شيئاً زائداً على البشرة لا تجب إزالته، وإن عدّ كذلك تجب إزالته إذا كان مانعاً عن وصول الماء إليها، وإلا لم تجب إزالته كالبياض الذي يتبين على اليد من الجص ونحوه.
مسألة 80: ما يقوم به البعض من غير المتفقهين من غسل اليدين إلى الزندين والاكتفاء عن غسل الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل.
مسألة 81: يجوز الوضوء برمس العضو في الماء من أعلى الوجه أو من طرف المرفق، مع مراعاة غَسل الأعلى فالأعلى فيهما على ما مر، ولا فرق في ذلك بين غَسل اليد اليمنى واليسرى، فيجوز أن ينوي الغَسل لليسرى بإدخالها في الماء من المرفق، ولا يلزم تعذر المسح بماء الوضوء لان الماء الخارج معها يعدّ من توابع الغسل عرفاً، هذا إذا غسل اليمين رمساً أيضاً، وأما إذا غسلها بالصب عليها فلا إشكال على كل حال إذ يمكن مسح القدمين بها لما سيأتي من جواز المسح بكل من اليدين على كلا القدمين، هذا وأما قصد الغَسل بإخراج العضو من الماء تدريجاً فهو غير مجزٍ مطلقاً.
مسألة 82: الوسخ تحت الأظفار تجب إزالته إذا كان ما تحته معدوداً من الظاهر وكان مانعاً من وصول الماء إليه، وهكذا الحال فيما إذا قص أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً.
مسألة 83: إذا انقطع لحم من اليدين غَسل ما ظهر بعد القطع، ويجب غسل ذلك اللحم أيضاً ما دام لم ينفصل ــ وإن كان اتصاله بجلدة رقيقة ــ إذا لم يعد شيئاً خارجياً وإلا فلا يجب غسله، كما لا يجب غسل الجلدة التي اتصل بسببها إلا بالمقدار الذي يعد من توابع اليد؛ وكذا لا يجب قطع اللحم عنها ليغسل موضع اتصالها به، نعم لو عدّت الجلدة شيئاً خارجياً فلا بد من إزالتها.
مسألة 84: الشقوق التي تحدث على ظهر الكف ــ من جهة البرد ــ إن كانت وسيعة يرى جوفها وجب إيصال الماء إليها وإلا فلا، ومع الشك فالأحوط وجوباً الإيصال.
مسألة 85: ما ينجمد على الجرح عند البرء ويصير كالجلد لا يجب رفعه وإن حصل البرء، ويجزي غسل ظاهره وإن كان رفعه سهلاً.
مسألة 86: يجوز الوضوء بما المطر إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غَسل الوجه، مع مراعاة الأعلى فالأعلى على ما تقدم، وكذلك بالنسبة إلى يديه.
ولو قام تحت الميزاب أو نحوه ولم ينوِ الغَسل من الأول حتى جرى الماء على جميع محال الغَسل، لا يكفيه ــ على الأحوط لزوماً ــ أن يمسح بيده على وجهه بقصد غَسله وكذا على يديه وإن حصل الجريان بذلك.
مسألة 87: إذا شك في شيء أنه من الظاهر حتى يجب غَسله أو من الباطن فالأحوط وجوباً غَسله.
الثالث: يجب مسح مقدم الرأس ــ وهو ما يقارب ربعه مما يلي الجبهة ــ بما بقي من بلة اليد، ويكفي فيه المسمى طولاً وعرضاً، والأحوط استحباباً أن يكون العرض قدر ثلاثة أصابع مضمومة، والطول قدر طول إصبع، كما أن الأحوط استحباباً أن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل وأن يكون بباطن الكف وبنداوة الكف اليمنى.
مسألة 88: يكفي المسح على الشعر المختص بالمقدم، بشرط أن لا يخرج بمدّه عن حدّه، فلو كان كذلك فجمع وجعل على الناصية لم يجز المسح عليه.
مسألة 89: لا تضر كثرة بلل الماسح وإن حصل معه الغَسل.
مسألة 90: يكفي المسح بأي جزء من أجزاء اليد الواجب غسلها في الوضوء، ولكن الأحوط استحباباً ــ كما مر ــ المسح بباطن الكف، ومع تعذره فالأحوط الأولى المسح بظاهرها إن أمكن، وإلا فبباطن الذراع.
مسألة 91: يعتبر أن لا يكون على موضع المسح بلة ظاهرة، ولا تضر إذا كانت نداوة محضة أو مستهلكة.
مسألة 92: لو اختلط بلل اليد ببلل أعضاء الوضوء لم يجز المسح به، نعم لا بأس باختلاط بلل اليد اليمنى ببلل اليد اليسرى الناشئ من الاستمرار في غَسل اليسرى بعد الانتهاء من غَسلها، إما احتياطاً أو للعادة الجارية.
مسألة 93: لو جف ما على اليد من البلل لعذر، أخذ من بلل لحيته ومسح بها، والأحوط الأولى أن يأخذ البلة من لحيته الداخلة في حد الوجه وإن جاز له الأخذ من المسترسل أيضاً إلاّ ما خرج عن المعتاد، فإن لم يتيسر له ذلك أعاد الوضوء ولا يكتفي بالأخذ من بلة الوجه على الأحوط وجوباً.
مسألة 94: لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح لحرّ أو غيره حتى لو أعاد الوضوء جاز المسح بماء جديد وإن كان الأحوط استحباباً الجمع بينه وبين التيمم.
مسألة 95: لا يجوز المسح على العمامة والقناع أو غيرهما من الحائل، وإن كان شيئاً رقيقاً لا يمنع من وصول الرطوبة إلى ما تحته.
الرابع: يجب مسح القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين، والكعب هو: المفصل بين الساق والقدم، والأحوط استحباباً تقديم الرجل اليمنى على اليسرى، وإن كان يجوز مسحهما معاً، نعم الأحوط لزوماً عدم تقديم اليسرى على اليمنى، كما أن الأحوط استحباباً أن يكون مسح اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى وإن كان يجوز مسح كل منهما بكل منهما، وحكم العضو المقطوع من الممسوح حكم العضو المقطوع من المغسول، وكذا حكم الزائد من الرجل والرأس، وحكم البلة وحكم جفاف الممسوح والماسح كما سبق.
مسألة 96: لا يجب المسح على خصوص البشرة، بل يجوز المسح على الشعر النابت فيها أيضاً إذا عدّ من توابع البشرة بأن لم يكن خارجاً عن المتعارف، وإلا وجب المسح على البشرة.
مسألة 97: لا يجزي المسح على الحائل ــ كالخف والجورب ــ لغير ضرورة بل يشكل أيضاً الاجتزاء به مع الضرورة في غير حال التقية الخوفية، فلا يترك الاحتياط حينئذٍ بضم التيمم، وأما في حال التقية فيجتزئ به وإن كان الاحتياط في محله.
مسألة 98: لو دار الأمر بين المسح على الخف والغَسل للرجلين للتقية، اختار الثاني إذا كان متضمناً للمسح ولو بماء جديد، وأما مع دوران الأمر بين الغَسل بلا مسح وبين المسح على الحائل فيتخير بينهما.
مسألة 99: يعتبر عدم المندوحة في مكان التقية فلو أمكنه ترك التقية وإراءة المخالف عدم المخالفة لم تشرع التقية، بل يعتبر عدم المندوحة في الحضور في مكان التقية وزمانها أيضاً، ولا يترك الاحتياط ببذل المال لرفع الاضطرار وإن كان عن تقية ما لم يستلزم الحرج.
مسألة 100: إذا زالت التقية المسوّغة لغَسل الرجلين أو المسح على الحائل ولم يمكن إكمال الوضوء على الوجه الصحيح شرعاً لفوات الموالاة مثلاً وجبت إعادته.
مسألة 101: لو توضأ على خلاف مقتضى التقية لم تجب الإعادة.
مسألة 102: يجوز في مسح الرجلين أن يضع يده على الأصابع ويمسح إلى الكعبين بالتدريج، ويجوز أن يضع تمام كفه على تمام ظهر القدم من طرف الطول إلى المفصل ويجرها قليلاً بمقدار صدق المسح، بل يجوز النكس على الوجهين بأن يبتدئ من الكعبين وينتهي بأطراف الأصابع.

الفصل الثاني: أحكام الجبائر
من كان على بعض أعضاء وضوئه جبيرة ــ لكسر أو قرح أو جرح ــ فإن تمكن من غَسل ما تحتها بنزعها أو بغمسها في الماء وجب، ولا يلزم في الصورة الثانية أن يكون الغَسل من الأعلى إلى الأسفل، وإن لم يتمكن من الغسل ــ بأن كان ضررياً أو حرجياً و لو من جهة كون النزع كذلك ــ فالأحوط وجوباً عدم الاكتفاء بغسل ما حولها بل يمسح عليها ولا يجزي غسلها عن مسحها، ولا بد من استيعابها بالمسح إلا ما يتعسر استيعابه بالمسح عادة، كالخلل التي تكون بين الخيوط ونحوها، هذا إذا كانت الجبيرة في بعض مواضع الغَسل، وأما إذا كانت في بعض مواضع المسح فمع عدم إمكان نزعها والمسح على البشرة يتعين المسح عليها بلا إشكال.
مسألة 103: الجروح والقروح المعصبة حكمها حكم الجبيرة المتقدم، وأما الجروح والقروح المكشوفة فإن كانت في أحد مواضع الغَسل وجب غَسل ما حولها، والأحوط استحباباً المسح عليها إن أمكن، ولا يجب وضع خرقة عليها ومسحها وإن كان ذلك أحوط استحباباً، وأما الكسر المكشوف في مواضع الغَسل أو المسح فالمتعين فيه التيمم، كما هو المتعين في القروح والجروح المكشوفة في مواضع المسح.
مسألة 104: اللطوخ المطلي بها العضو للتداوي ــ ولو كان عن ألم أو ورم أو نحوهما ــ يجري عليها حكم الجبيرة، وأما الحاجب اللاصق اتفاقاً ــ كالقير ونحوه ــ فإن أمكن رفعه وجب، وإلا وجب التيمم إن لم يكن الحاجب في مواضعه، وإلا جمع بين الوضوء والتيمم.
مسألة 105: يختص الحكم المتقدم بالجبيرة الموضوعة على الموضع في موارد الجرح أو القرح أو الكسر، وأما في غيرها كالعصابة التي يعصب بها العضو ــ لألم أو ورم ونحو ذلك ــ فلا يُجزئ المسح عليها بل يجب التيمم إن لم يمكن غَسل المحل لضرر ونحوه.
وإذا كانت الجبيرة مستوعبة للعضو ــ كما إذا كان تمام الوجه أو إحدى اليدين أو الرجلين مجبراً ــ جرى عليها حكم الجبيرة غير المستوعبة، وأما مع استيعاب الجبيرة لتمام الأعضاء أو معظمها فالأحوط لزوماً الجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة وبين التيمم.
وأما الجبيرة النجسة التي لا يصلح أن يمسح عليها فإن أمكن تطهيرها أو تبديلها ولو بوضع خرقة طاهرة عليها بنحو تعد جزءاً منها وجب ذلك، فيمسح عليها ويغسل أطرافها، وإن لم يمكن اكتفى بغسل أطرافها.
هذا إذا لم تزد الجبيرة على الجرح بأزيد من المقدار المتعارف، وأما لو زادت عليه فإن أمكن رَفْعُها رَفَعَها وغسل المقدار الصحيح ثم وضع عليه الجبيرة الطاهرة، أو طهّرها ومسح عليها؛ وإن لم يمكن ذلك فإن كان من جهة إيجابه ضرراً على الجرح مسح على الجبيرة، وإن كان لأمر آخر كالإضرار بالمقدار الصحيح وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضعه، وإلا فالأحوط لزوماً الجمع بين الوضوء والتيمم.
مسألة 106: يجري حكم الجبيرة في الأغسال غير غُسل الميت كما كان يجري في الوضوء، ولكنه يختلف عنه بأن المانع عن الغُسل إذا كان قرحاً أو جرحاً ــ سواء أكان المحل مجبوراً أم مكشوفاً ــ تخير المكلف بين الغُسل والتيمم، وإذا اختار الغُسل وكان المحل مكشوفاً فالأحوط استحباباً أن يضع خرقة على موضع القرح أو الجرح ويمسح عليها، وإن كان يجوز الاجتزاء بغَسل أطرافه، وأما إذا كان المانع كسراً فإن كان محل الكسر مجبوراً تعين عليه الاغتسال مع المسح على الجبيرة، وأما إذا كان المحل مكشوفاً أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعين عليه التيمم.
مسألة 107: لو كانت الجبيرة على العضو الماسح مسح ببلتها، والأحوط الأولى فيما إذا لم تكن مستوعبة له أن يمسح بغير موضع الجبيرة.
مسألة 108: الأرمد إن كان يضره استعمال الماء مطلقاً تيمم، وإن أمكن غسل ما حول العين فالأحوط وجوباً له الجمع بين الوضوء والتيمم.
هذا إذا لم تكن العين مستورة بالدواء وإلا فيلزمه الوضوء جبيرة.
مسألة 109: إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت أجزأ وضوؤه، سواء برئ في أثناء الوضوء أم بعده، قبل الصلاة أم في أثنائها أم بعدها، ولا تجب عليه إعادته لغير ذات الوقت كالصلوات الآتية، إلا في الموارد التي جمع فيها بين التيمم والوضوء جبيرة فإنه لا بد من إعادة الوضوء للأعمال الآتية، وكذلك الحكم فيما لو برئ في سعة الوقت بعد إتمام الوضوء، وأما إذا برئ في أثنائه فلا بد من استئناف الوضوء أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها إن لم تفت الموالاة.
مسألة 110: إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة يجب الغَسل أو المسح في فواصلها.
مسألة 111: إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة، فإن كان بالمقدار المتعارف مسح عليها، وإن كان أزيد من المقدار المتعارف وجب رفع المقدار الزائد وغسل الموضع السليم تحته إذا كان مما يغسل، ومسحه إذا كان مما يمسح، وإن لم يتمكن من رفعه ــ أو كان فيه حرج أو ضرر على الموضع السليم نفسه ــ سقط الوضوء ووجب التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه، وإلا جمع بينه وبين الوضوء، ولو كان رفعُه وغسل الموضع السليم أو مسحه يستلزم ضرراً على الموضع المصاب نفسه كان حكمه الوضوء مع المسح على الجبيرة.
مسألة 112: تقدم في المسألة (103) أنه يجزي في الجرح المكشوف غسل ما حوله ولا يجب وضع طاهر عليه ومسحه وإن كان ذلك أحوط استحباباً، فإذا أراد الاحتياط وتمكن من وضع ما لا يزيد على الجرح ــ بحيث لا يستر بعض الأطراف التي يجب غسلها ــ تعين ذلك، وإلا وجب أولاً أن يغسل ما يمكن من أطرافه ثم يضعه ويمسح عليه.
مسألة 113: إذا أضرّّ الماء بأطراف الجرح بالمقدار المتعارف يكفي المسح على الجبيرة التي عليها أو يريد وضعها عليها، وأما إن كانت الأطراف المتضررة أزيد من المتعارف فيتعين عليه التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه، وإلا فالأحوط لزوماً الجمع بينه وبين الوضوء.
مسألة 114: إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء، لكن كان بحيث يضره استعمال الماء في مواضعه فالمتعين التيمم، وكذلك الحال فيما إذا كان الجرح أو نحوه في جزء من مواضع الوضوء وكان مما يضر به غسل جزء آخر اتفاقاً دون أن يكون مما يستلزمه عادة ــ كما إذا كان الجرح في إصبعه واتفق أنه يتضرر بغسل الذراع ــ فإنه يتعين التيمم في مثل ذلك أيضاً.
مسألة 115: لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه قد حدث باختياره ــ على وجه العصيان أو غيره ــ وبين أن لا يكون كذلك.
مسألة 116: إذا كان ظاهر الجبيرة طاهراً لا يضره نجاسة باطنها.
مسألة 117: محل الفصد داخل في الجروح، فلو كان غسله مضراً يكفي المسح على الوصلة التي عليه إن لم تكن أزيد من المتعارف، وإلا حلّها وغسل المقدار الزائد ثم شدّها، وأما إذا لم يمكن غسل المحل ــ لا من جهة الضرر، بل لأمر آخر كعدم انقطاع الدم مثلاً ــ فلا بد من التيمم، ولا يجري عليه حكم الجبيرة.
مسألة 118: إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوباً لا يجوز المسح عليه، ولو مسح لم يصح وضوؤه على الأحوط لزوماً، وإن كان ظاهره مباحاً وباطنه مغصوباً فإن لم يُعَد مسح الظاهر تصرفاً فيه فلا يضر، وإلا لزم رفعه وتبديله، فإن لم يمكن أو كان مضراً بحد لا يجب معه الرفع فإن عدّ تالفاً جاز المسح عليه ولكن الأحوط لزوماً استرضاء المالك قبل ذلك، وإن لم يعد تالفاً وجب استرضاؤه، فإن لم يمكن فالأحوط لزوماً الجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطرافه وبين التيمم.
مسألة 119: لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما تصح الصلاة فيه، فلو كانت حريراً أو ذهباً أو جزء حيوان غير مأكول لم يضر بوضوئه، فالذي يضر هو نجاسة ظاهرها أو غصبيته على ما مر.
مسألة 120: ما دام خوف الضرر باقياً يجري حكم الجبيرة وإن احتمل البرء، وإذا زال الخوف وجب رفعها.
مسألة 121: إذا أمكن رفع الجبيرة وغَسل المحل لكن كان موجباً لفوات الوقت وجب العدول إلى التيمم.
مسألة 122: الدواء الموضوع على الجرح ونحوه إذا اختلط مع الدم وصار كالشيء الواحد، ولم يمكن رفعه بعد البرء ــ بأن كان مستلزماً لجرح المحل وخروج الدم ــ لا يجري عليه حكم الجبيرة، بل تنتقـل الوظيفة إلى التيمم.
مسألة 123: إذا كان العضو صحيحاً لكن كان نجساً ولم يمكن تطهيره لا يجري عليه حكم الجرح بل يتعين التيمم.
مسألة 124: لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة إن كانت بالمقدار المتعارف، كما أنه لا يجوز وضع شيء آخر عليها مع عدم الحاجة، إلا أن يحسب جزءاً منها بعد الوضع.
مسألة 125: الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث، وكذلك الغُسل.
مسألة 126: يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة في أول الوقت، ولا يجب عليه إعادتها وإن ارتفع عذره في الوقت.
مسألة 127: إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة ــ لاعتقاده الكسر مثلاً ــ فعمل بالجبيرة ثم تبين عدم الكسر في الواقع، لم يصح الوضوء ولا الغُسل، وأما إذا تحقق الكسر فجبّره واعتقد الضرر في غَسله فمسح على الجبيرة، ثم تبين عدم الضرر يحكم بصحة وضوئه وغسله، وإذا اعتقد عدم الضرر، فغَسل ثم تبين أنه كان مضراً وكان وظيفته الجبيرة ففي الصحة إشكال فالأحوط وجوباً الإعادة، وكذا الحال فيما لو اعتقد الضرر ولكن ترك الجبيرة وتوضأ أو اغتسل ثم تبين عدم الضرر وأن وظيفته غسل البشرة.
مسألة 128: في كل مورد يعلم إجمالاً أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم ولا يتيسر له تعيينها يجب عليه الجمع بينهما.

الفصل الثالث: شرائط الوضوء
وهي أمور:
منها: طهارة الماء، وإطلاقه، وكذا عدم استعماله في رفع الحدث الأكبر على الأحوط استحباباً كما تقدم، وفي اعتبار نظافته ــ بمعنى عدم تغيّره بالقذارات العرفية كالميتة الطاهرة وأبوال الدواب والقيح ــ قول وهو أحوط وجوباً.
ومنها: طهارة أعضاء الوضوء.
ومنها: إباحة الماء، ولا يعتبر إباحة الفضاء الذي يقع فيه الوضوء، ولا إباحة الإناء الذي يتوضأ منه مع عدم الانحصار به، بل مع الانحصار أيضاً، وإن كانت الوظيفة مع الانحصار التيمم لكنه لو خالف وتوضأ بماء مباح من إناء مغصوب أثم وصح وضوؤه، من دون فرق بين الاغتراف منه ــ دفعة أو تدريجاً ــ والصب منه والارتماس فيه، وحكم المصب ــ إذا كان وضع الماء على العضو مقدمة للوصول إليه ــ حكم الإناء مع الانحصار وعدمه.
مسألة 129: يكفي طهارة كل عضو حين غَسله، ولا يلزم أن تكون جميع الأعضاء قبل الشروع طاهرة، فلو كانت نجسة وغَسل كل عضو بعد تطهيره، أو طهّره بغَسل الوضوء ــ فيما يكون الماء معتصماً ــ كفى، ولا يضر تنجس عضو بعد غَسله وإن لم يتم الوضوء.
مسألة 130: إذا توضأ من إناء الذهب أو الفضة ــ وهو ما لا يجوز استعماله حتى في غير الأكل والشرب على الأحوط لزوماً ــ صح وضؤوه سواء أكان بالاغتراف منه دفعة أو تدريجاً أم بالصب منه أم الارتماس فيه، من دون فرق بين صورة الانحصار وعدمه.
ومنها: عدم المانع من استعمال الماء لمرض يتضرر معه باستعماله، وأما في موارد سائر مسوغات التيمم فيحكم بصحة الوضوء، حتى فيما إذا خاف العطش على نفسه أو على نفس محترمة.
مسألة 131: إذا توضأ في حال ضيق الوقت عن الوضوء، فإن تمشّى منه قصد القربة ــ كأن قصد الكون على الطهارة ــ صح وضوؤه وإن كان عالماً بضيق الوقت.
مسألة 132: لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف، أو النجس، أو مع الحائل، بين صورة العلم والعمد والجهل والنسيان، وكذلك الحال إذا كان استعمال الماء مضراً، فإنه يحكم ببطلان الوضوء به حتى مع الجهل، وأما إذا كان الماء مغصوباً فيختص البطلان بصورة العلم والعمد، فلو توضأ به نسياناً أو جهلاً فانكشف له الحال بعد الفراغ صح وضوؤه إذا لم يكن هو الغاصب، وأما الغاصب فلا يصح منه الوضوء بالماء المغصوب ولو كان ناسياً على الأحوط لزوماً.
مسألة 133: إذا توضأ غير الغاصب بالماء المغصوب والتفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء صحّ ما مضى من أجزائه، ويجب تحصيل الماء المباح للباقي، نعم إذا التفت إلى الغصبية بعد الغسلات وقبل المسح جاز له المسح بما بقي من الرطوبة، وإن كان الأحوط استحباباً إعادة الوضوء.
مسألة 134: مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف ويجري عليه حكم الغصب، فلا بد من العلم بإذن المالك ولو بالفحوى أو شاهد الحال، نعم مع سبق رضاه بتصرف معين ــ ولو لعموم استغراقي بالرضا بجميع التصرفات ــ يجوز البناء على استمراره عند الشك إلى أن يثبت خلافه.
مسألة 135: يجوز الوضوء والشرب من الأنهار الكبار ونحوها المملوكة لأشخاص خاصة سواء أكانت قنوات ــ أو منشقة من شط ــ وإن لم يعلم رضا المالكين، بل وإن علم كراهتهم أو كان فيهم الصغار أو المجانين، وكذلك الحال في الأراضي المتسعة اتساعاً عظيماً فإنه يجوز الوضوء والجلوس والصلاة والنوم ونحوها فيها، ولا يناط ذلك برضا مالكيها، نعم في غيرها من الأراضي غير المحجبة كالبساتين التي لا سور لها ولا حجاب لا يجوز التصرف فيها ولو بمثل ما ذكر مع العلم بكراهة المالك، بل الأحوط لزوماً الاجتناب عن ذلك إذا ظن كراهته أو كان قاصراً.
مسألة 136: مخازن المياه في المساجد والمدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بمن يصلي فيها أو الطلاب الساكنين فيها، أو عدم اختصاصها لا يجوز لغيرهم الوضوء منها، إلا مع جريان العادة بوضوء صنف خاص أو كل من يريد مع عدم منع أحد، فإنه يجوز الوضوء للغير حينئذٍ، إذ تكشف العادة عن عموم الإذن.
مسألة 137: إذا علم أو احتمل أن مخزن الماء في المسجد وقف على المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر، ولو توضأ بقصد الصلاة فيه ثم بدا له أن يصلي في مكان آخر صح وضوؤه، وكذلك إذا توضأ بقصد الصلاة في ذلك المسجد ولكنه لم يتمكن منها وكان يحتمل أنه لا يتمكن، وكذا إذا كان قاطعاً بالتمكن ثم انكشف عدمه، وكذلك يصح لو توضأ غفلة أو باعتقاد عدم الاشتراط، ولا يجب عليه أن يصلي فيه وإن كان هو الأحوط استحباباً.
مسألة 138: إذا وقعت كمية من الماء المغصوب في خزان من الماء المباح فإن عدّ المغصوب تالفاً عرفاً ــ كأن كان قليلاً جداً بحيث لا تلاحظ النسبة بينهما ــ جاز التصرف فيه بالوضوء منه وغيره وإلا فلا يجوز إلا بإذن المغصوب منه.
ومنها: النية، وهي أن يقصد الفعل متعبداً به بإضافته إلى الله تعالى إضافة تذللية، ويكفي في ذلك أن يكون الباعث إلى القصد المذكور أمر الله تعالى، من دون فرق بين أن يكون ذلك بداعي الحب له سبحانه، أو رجاء الثواب، أو الخوف من العقاب، ويعتبر فيها الإخلاص فلو ضم إليها الرياء بطل، ولو ضم إليها غيره من الضمائم الراجحة ــ كالتنظيف من الوسخ ــ أو المباحة ــ كالتبريد ــ فإن قصد بها القربة أيضاً لم تقدح، وفي غير ذلك تقدح وإن كان الداعي الإلهي صالحاً للاستقلال على الأحوط لزوماً ولا يقدح العجب المتأخر وكذا المقارن، إلا إذا كان منافياً لقصد القربة كما إذا وصل إلى حد الإدلال بأن يمنّ على الرب تعالى بالعمل.
مسألة 139: لا تعتبر نية الوجوب ولا الندب ولا غيرهما من الصفات والغايات الخاصة، ولو نوى الوجوب في موضع الندب أو العكس ــ جهلاً أو نسياناً ــ صح، وكذا الحال إذا نوى التجديد وهو محدث أو نوى الرفع وهو متطهر.
مسألة 140: لا بد من استمرار النية بمعنى صدور تمام الأجزاء عن النية المذكورة ولو بالعود إلى النية الأولى بعد التردد قبل فوات الموالاة مع إعادة ما أتى به بلا نية.
مسألة 141: لو اجتمعت أسباب متعددة للوضوء كفى وضوء واحد.
ومنها: مباشرة المتوضئ للغسل والمسح إذا أمكنه ذلك، ومع الاضطرار إلى الاستعانة بالغير يجوز له أن يستعين به، بأن يشاركه فيما لا يقدر على الاستقلال به، سواء أكان بعض أفعال الوضوء أو كلها، ولكنه يتولى النية بنفسه، وإن لم يتمكن من المباشرة ولو على هذا الوجه طلب من غيره أن يوضأه، والأحوط وجوباً حينئذٍ أن يتولى النية كل منهما، ويلزم أن يكون المسح بيد المتوضئ نفسه، وإن لم يمكن ذلك أخذ المعين الرطوبة التي في يده ومسح بها.
ومنها: الموالاة، وهي التتابع العرفي في الغسل والمسح، ويكفي في الحالات الطارئة ــ كنفاد الماء وطرو الحاجة والنسيان ــ أن يكون الشروع في غسل العضو اللاحق أو مسحه قبل أن تجف الأعضاء السابقة عليه، فإذا أخّره حتى جفت جميع الأعضاء السابقة بطل الوضوء، ولا بأس بالجفاف من جهة الحر والريح أو التجفيف إذا كانت الموالاة العرفية متحققة.
مسألة 142: الأحوط وجوباً عدم الاعتداد ببقاء الرطوبة في مسترسل اللحية الخارج عن المعتاد.
ومنها: الترتيب بين الأعضاء بتقديم الوجه ثم اليد اليمنى ثم اليسرى ثم مسح الرأس ثم الرجلين، والأحوط وجوباً عدم تقديم اليسرى والأحوط استحباباً تقديم الرجل اليمنى ويجوز مسحهما معاً كما تقدم، ولا يجب الترتيب بين أجزاء كل عضو، نعم يجب مراعاة أن يكون الغسل من الأعلى فالأعلى على ما تقدم.
و لو عكس الترتيب بين الأعضاء سهواً أعاد على ما يحصل به الترتيب مع عدم فوات الموالاة وإلا استأنف، وكذا لو عكس عمداً، إلا أن يكون قد أتى بالجميع عن غير الأمر الشرعي فيستأنف.

الفصل الرابع: أحكام الخلل
مسألة 143: من تيقن الحدث وشك في الطهارة تطهر، وكذا لو ظن الطهارة ظناً غير معتبر شرعاً، ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على الطهارة وإن ظن الحدث ظناً غير معتبر شرعاً، وتستثنى من ذلك صورة واحد ستأتي في المسألة ( 157 ).
مسألة 144: إذا تيقن الحدث والطهارة وشك في المتقدم والمتأخر تطهَّر، سواء علم تاريخ الطهارة، أو علم تاريخ الحدث، أو جهل تاريخهما جميعاً.
مسألة 145: إذا شك في الطهارة بعد الصلاة أو غيرها مما يعتبر فيه الطهارة بنى على صحة العمل وتطهَّر لما يأتي، حتى فيما إذا تقدم منشأ الشك على العمل، بحيث لو التفت إليه قبل العمل لشك، كما إذا أحدث ثم غفل ثم صلَّى ثم شك بعد الصلاة في التوضؤ حال الغفلة.
مسألة 146: إذا شك في الطهارة في أثناء الصلاة مثلاً قطعها وتطهَّر واستأنف الصلاة.
مسألة 147: لو تيقن الإخلال بغَسل عضو أو مسحه أتى به وبما بعده مراعياً للترتيب والموالاة وغيرهما من الشرائط، وكذا لو شك في الإتيان بفعل من أفعال الوضوء قبل الفراغ منه، وأما لو شك في ذلك بعد الفراغ أو شك في تحقق شرط بعض الأفعال بعد الفراغ من ذلك الفعل لم يلتفت، وإذا شك في الإتيان بالجزء الأخير فإن كان ذلك مع تحقق الفراغ العرفي ــ كما لو شك بعد الدخول في عمل آخر كالصلاة أو بعد فوات الموالاة ــ لم يلتفت، وإلا أتى به.
مسألة 148: ما ذكرناه آنفاً من لزوم الاعتناء بالشك فيما إذا كان الشك أثناء الوضوء، لا يفرق فيه بين أن يكون الشك بعد الدخول في الجزء المترتب أو قبله، ولكنه يختص بغير كثير الشك، وأما هو فلا يعتني بشكه مطلقاً.
مسألة 149: إذا كان مأموراً بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث ولكنه نسي شكه وصلى يحكم ببطلان صلاته بحسب الظاهر، فتجب عليه الإعادة إن تذكر في الوقت، والقضاء إن تذكر بعده.
مسألة 150: إذا كان متوضئاً وتوضأ للتجديد وصلى، ثم تيقن بطلان أحد الوضوءين ولم يعلم أيهما، يحكم بصحة صلاته، ولا تجب عليه إعادة الوضوء للصلوات الآتية.
مسألة 151: إذا توضأ وضوءين وصلى بعدهما، ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما، يجب الوضوء للصلاة الآتية، وأما الصلاة التي أتى بها فيبني على صحتها، وإذا كان في محل الفرض قد صلى بعد كل وضوء صلاة، أعاد الوضوء كما يعيد الصلاتين إن مضى أو بقي وقتهما معاً، أما إذا بقي وقت إحداهما فقط فلا يجب حينئذٍ إلا إعادتها، كما إذا صلى صلاتين أدائيتين ومضى وقت إحداهما دون الأخرى، أو صلى صلاة قضائية وأخرى أدائية ومضى وقت الثانية، هذا مع اختلافهما في العدد، وإلا فيكتفي بإتيان صلاة واحدة بقصد ما في الذمة مطلقاً.
مسألة 152: إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنه ترك جزءاً منه ولا يدري أنه الجزء الواجب أو المستحب يحكم بصحة وضوئه.
مسألة 153: إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنه مسح على الحائل، أو مسح في موضع الغسل، أو غسل في موضع المسح، ولكن شك في أنه هل كان هناك مسوغ لذلك من جبيرة، أو تقية أو لا بل كان على غير الوجه الشرعي لم تجب الإعادة.
مسألة 154: إذا تيقن أنه دخل في الوضوء وأتى ببعض أفعاله ولكن شك في أنه أتمّه على الوجه الصحيح أو لا، بل عدل عنه اختياراً أو اضطراراً، يحكم بصحة وضوئه مع إحراز إيجاد مسمى الوضوء الجامع بين الصحيح والفاسد، وكون الشك بعد تحقق الفراغ العرفي بالدخول في عمل آخر كالصلاة أو بعد فوات الموالاة.
مسألة 155: إذا شك بعد الوضوء في وجود الحاجب، أو شك في حاجبيته كالخاتم، أو علم بوجوده ولكن شك بعده في أنه أزاله أو أنه وصل الماء تحته بنى على الصحة، وكذا إذا علم بوجود الحاجب وشك في أن الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده يبني على الصحة.
مسألة 156: إذا كانت أعضاء وضوئه أو بعضها نجساً فتوضأ وشك بعده في أنه طهَّرها ثم توضأ أم لا، بنى على بقاء النجاسة إذا لم يكن الغَسل الوضوئي كافياً في تطهيره، فيجب غَسله لما يأتي من الأعمال، وأما الوضوء فيبنى على صحته، وكذلك لو كان الماء الذي توضأ منه متنجساً ثم شك بعد الوضوء في أنه طهره قبله أم لا، فإنه يحكم بصحة وضوئه، وبقاء الماء متنجساً، فيجب عليه تطهير ما لاقاه من ثوبه وبدنه.

الفصل الخامس: نواقض الوضوء
يحصل الحدث بأُمور:
الأول والثاني: خروج البول والغائط، سواء أكان خروجهما من الموضع الأصلي ــ للنوع أو لفرد شاذ الخلقة من هذه الجهة ــ أم من غيره مع انسداد الموضع الأصلي، وأما مع عدم انسداده فلا يكون ناقضاً إلا إذا كان معتاداً له أو كان الخروج بدفع طبيعي لا بالآلة، وإن كان الأحوط استحباباً الانتقاض به مطلقاً، والبلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء بحكم البول ظاهراً.
الثالث: خروج الريح من مخرج الغائط ــ المتقدم بيانه ــ إذا صدق عليها أحد الاسمين المعروفين، ولا عبرة بما يخرج من القبل ولو مع الاعتياد.
الرابع: النوم الغالب على السمع، من غير فرق بين أن يكون قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً، ومثله كل ما غلب على العقل من جنون، أو إغماء، أو سكر، أو غير ذلك، دون البهت ونحوه.
الخامس: الاستحاضة على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى.
السادس: الجنابة، فإنها تنقض الوضوء وإن كانت لا توجب إلا الغسل.
مسألة 157: إذا شك في طرو أحد النواقض بنى على العدم، وكذا إذا شك في أن الخارج بول أو مذي، فإنه يبني على عدم كونه بولاً، إلا أن يكون قبل الاستبراء فيحكم بأنه بول، فإن كان متوضئاً انتقض وضوؤه.
مسألة 158: إذا خرج ماء الاحتقان ولم يكن معه شيء من الغائط لم ينتقض الوضوء، وكذا لو شك في خروج شيء من الغائط معه.
مسألة 159: لا ينتقض الوضوء بخروج المذي أو الودي أو الوذي، والأول ما يخرج بعد الملاعبة، والثاني ما يخرج بعد خروج البول، والثالث ما يخرج بعد خروج المني.

الفصل السادس: حكم دائم الحدث
من استمر به الحدث في الجملة ــ كالمبطون، والمسلوس، ونحوهما ــ له أحوال ثلاثة:
الأولى: أن يجد فترة من الوقت يمكنه أن يأتي فيها بالصلاة متطهراً ــ ولو مع الاقتصار على واجباتها ــ ففي هذه الصورة يجب ذلك ويلزمه التأخير سواء أكانت الفترة في أثناء الوقت أم في آخره، نعم إذا كانت الفترة في أول الوقت أو في أثنائه ولم يصلّ حتى مضى زمان الفترة صحت صلاته إذا عمل بوظيفته الفعلية وإن أثم بالتأخير.
الثانية: أن لا يجد فترة أصلاً أو تكون له فترة يسيرة لا تسع الطهارة وبعض الصلاة، ففي هذه الصورة يتوضأ ــ أو يغتسل أو يتيمم حسبما يقتضيه تكليفه الفعلي ــ ثم يصلي ولا يعتني بما يخرج منه بعد ذلك قبل الصلاة أو في أثنائها، وهو باق على طهارته ما لم يصدر منه حدث غير حدثه المبتلى به أو نفس هذا الحدث غير مستند إلى مرضه ولو قبل حصول البرء، وتصح منه الصلوات الأُخرى أيضاً الواجبة والمستحبة، والأحوط الأولى أن يتطهر لكل صلاة وأن يبادر إليها بعد الطهارة.
الثالثة: أن تكون له فترة تسع الطهارة وبعض الصلاة والأحوط وجوباً في هذه الصورة تحصيل الطهارة والإتيان بالصلاة في الفترة، ولكن لا يجب تجديد الطهارة إذا فاجأه الحدث أثناء الصلاة أو بعدها إلا أن يحدث حدثاً آخر بالتفصيل المتقدم في الصورة الثانية، والأحوط استحباباً ولاسيما للمبطون أن يجدد الطهارة كلّما فاجأه الحدث أثناء صلاته ويبني عليها ما لم يكن التكرار كثيراً بحيث يكون موجباً للحرج نوعاً، أو لفوات الموالاة المعتبرة بين أجزاء الصلاة ــ بسبب استغراق الحدث المفاجئ أو تجديد الطهارة أو هما معاً زماناً طويلاً ــ كما أن الأحوط استحباباً إذا أحدث بعد الصلاة أن يجدد الطهارة لصلاة أُخرى.
مسألة 160: إذا احتمل حصول فترة يمكنه الإتيان فيها بالصلاة متطهِّراً لم يجب تأخيرها إلى أن ينكشف الحال، نعم لو بادر إليها وانكشف بعد ذلك وجود الفترة لزمته إعادتها على الأحوط لزوماً، وكذلك الحال فيما إذا اعتقد عدم الفترة ثم انكشف خلافه، نعم لا يضر بصحة الصلاة وجود الفترة خارج الوقت أو برؤه من مرضه فيه.
مسألة 161: يجب على المسلوس والمبطون التحفظ من تعدي النجاسة إلى بدنه وثوبه مهما أمكن بوضع كيس أو نحوه، ولا يجب تغييره لكل صلاة، نعم الأحوط وجوباً تطهير ما تنجس من بدنه لكل صلاة مع التمكن منه، كما في غير الحالة الثانية من الحالات المتقدمة.

الفصل السابع: أحكام الوضوء
لا يجب الوضوء لنفسه، وتتوقف عليه صحة الصلاة واجبة كانت أو مندوبة، وكذا أجزاؤها المنسية بل وسجود السهو على الأحوط استحباباً، ومثل الصلاة الطواف الفريضة، وهو ما كان جزءاً من حجة أو عمرة وإن كانتا مستحبتين، دون الطواف المندوب وإن وجب بالنذر، نعم يستحب له.
مسألة 162: الوضوء الرافع للحدث الأصغر لم يثبت كونه مستحباً نفسياً، بل المستحب هو الكون على الطهارة الحاصلة بالوضوء، فيجوز الإتيان به بقصد حصولها، كما يجوز الإتيان به بقصد أي غاية من الغايات المترتبة عليها، بل بأي داع قربي وإن كان هو الاجتناب من محرم كمسّ كتابة القرآن، وأما الوضوء التجديدي للمتطهر من الحدث الأصغر فهو مستحب نفسي، ولكن الثابت استحبابه هو التجديد لصلاتي الصبح والمغرب بل لكل صلاة، وأما في غير ذلك فيؤتى به رجاءً.
مسألة 163: لا يجوز للمحدث مسّ كتابة القرآن حتى المد والتشديد ونحوهما، ولا مسّ اسم الجلالة وسائر أسمائه وصفاته على الأحوط وجوباً، ويلحق بها على الأحوط الأولى أسماء الأنبياء والأوصياء وسيدة النساء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
مسألة 164: لا فرق في جريان الحكم المذكور بين أنواع الخطوط حتى المهجورة منها، ولا بين الكتابة بالمداد والحفر والتطريز وغيرهما، كما لا فرق في الماسّ بين ما تحله الحياة وغيره، نعم لا يجري الحكم في المس بالشعر إذا كان غير تابع للبشرة.
مسألة 165: المناط في الألفاظ المشتركة بين القرآن وغيره بكون المكتوب ــ بضميمة بعضه إلى بعض ــ مما يصدق عليه القرآن عرفاً وإلا فلا أثر له سواء أكان الموجد قاصداً لذلك أم لا، نعم لا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط مع طروّ التفرقة عليه بعد الكتابة.
مسألة 166: الطهارة من الحدث الأصغر قد تكون شرطاً لصحة عمل كما مرّ بعض أمثلته، وقد تكون شرطاً لكماله وسيأتي بعض موارده، وقد تكون شرطاً لجوازه كمس كتابة القرآن ــ كما تقدم ــ ويعبر عن الأعمال المشروطة بها ب‍ـ(غايات الوضوء) نظراً إلى جواز الإتيان به لأجلها، وإذا وجبت إحدى هذه الغايات ولو لنذر أو شبهه يتصف الوضوء الموصل إليها بالوجوب الغيري، وإذا استحبت يتصف بالاستحباب الغيري، ومما تكون الطهارة شرطاً لكماله الطواف المندوب وجملة من مناسك الحج ــ غير الطواف وصلاته ــ كالوقوفين ورمي الجمار، ومنه أيضاً صلاة الجنائز وتلاوة القرآن والدعاء وطلب الحاجة وغيرها.
مسألة 167: يجوز الإتيان بالوضوء بقصد فعل الفريضة ولو قبل دخول وقتها، كما يجوز الإتيان به بقصد الكون على الطهارة وكذا بقصد ما مر من الغايات.
مسألة 168: سنن الوضوء على ما ذكره العلماء (رض): وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين، والتسمية، والدعاء بالمأثور، وغسل اليدين من الزندين ــ قبل إدخالهما في الإناء الذي يغترف منه ــ لحدث النوم أو البول مرة وللغائط مرتين، والمضمضة، والاستنشاق، وتثليثهما، وتقديم المضمضة، والدعاء بالمأثور عندهما، وعند غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس، والرجلين، وتثنية الغسلات، والأحوط استحباباً عدم التثنية في اليسرى احتياطاً للمسح بها، وكذلك اليمنى إذا أراد المسح بها من دون أن يستعملها في غسل اليسرى، وكذلك الوجه لأخذ البلل منه عند جفاف بلل اليد، ويستحب أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغَسلة الأُولى والثانية، والمرأة تبدأ بالباطن فيهما، ويكره الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة.

 

مصدر: موقع هدانا مأخوذة من الاستفتاءات المرجع الديني آية الله السيستاني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.